ليس أعظم وأدل على أن النظر من مجموع الزوايا للشيء يورث عند صاحبه فهم هذا الشيء من هذه القصة :” قال الله -تبارك وتعالى-: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”سورة البقرة(259).
كان يكفي تحقيق الغرض المقصود بأن يستوقف هذا الرجل عند نظرة واحدة، لكنه جل في علاه تبارك وتعالى وجه الرجل إلى النظر ثلاث مرات من زوايا مختلفة إلى الواقعة والحادثة التي بين يديه ليستفيد، كان ليكتفي الرجل بهذه النظرة ويحصل المقصود ” وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً” ، لكن الله تعالى أمره أن ينظر ثلاث نظرات الى الطعام ثم الحمار ثم عملية الأحياء، من هنا حصل البيان والوضوح التام انتبه الى قول الله تعالى :” فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” اذن لا يكون البيان والوضوح الا اذا كانت النظرة كلية من مجموع زوايا النظر للشيء.
ما تراه أنت قد لا يراه غيرك، وما يراه غيرك قد لا تراه أنت ، وقد تنظر إلى الأمور من زاويتك فترى وتصف ما تراه أنت، وقد ينظر الآخر من زاويته فيصف ما يراه هو ، وقصة الفيل والعميان الثلاثة فيها عبرة حيث يحكى أن ثلاثة من العميان دخلوا في غرفة بها فيل.. و طلب منهم أن يكتشفوا ما هو؟ اخذ كل منهم في تحسس الفيل و خرج كل منهم ليبدأ في الوصف :قال الأول : الفيل هو أربعة عمدان على الأرض !قال الثاني : الفيل يشبه الثعبان تماما !و قال الثالث : الفيل يشبه المكنسة !و حين وجدوا أنهم مختلفون بدأوا في الشجار.. وتمسك كل منهم برأيه وراحوا يتجادلون و يتهم كل منهم أنه كاذب و مدع! بالتأكيد لاحظت أن الأول أمسك بأرجل الفيل و الثاني بخرطومه، و الثالث بذيله..كل منهم كان يعتمد على ما لمس في زاويته ، دون الالتفات إلى زوايا الآخرين.
الشيخ رائد بدير